يُعتبر العلم ركيزة أساسية في تطوير المجتمعات وتحقيق التقدم البشري. وفي كلمة شهيرة ألقاها السير كين روبنسون على منصة تيد، أوضح أن الهدف الكلي للتعليم الجامعي في العالم هو إنتاج أساتذة جامعيين. ولكن يبدو أن النظم التعليمية قد انحرفت في بعض الأحيان عن هدفها الحقيقي وتحولت لتخريج أفراد ماهرين في التدريس دون التركيز على تأهيل الشباب لمواجهة تحديات الحياة وتحقيق تأثير إيجابي في مجتمعاتهم.
في الواقع، لا يقتصر الأمر على مجال التعليم الجامعي فحسب، بل انتشر هذا الظاهرة في مجالات أخرى أيضًا. فعلى سبيل المثال، في بداية الألفية، شهدنا انتشار العديد من دورات البرمجة اللغوية العصبية وصناعة النجاح. وما لفت الانتباه هو أن بعض المتدربين الذين شاركوا في هذه الدورات، وقعوا في فخ أنفسهم عندما أصبحوا متميزين ونجحوا في التدريب، فقاموا بتخريج آخرين دون أن يكونوا قد نجحوا بعد في تحقيق أهدافهم. هكذا أصبحوا يعلمون الآخرين كيف يصبحون ناجحين وأثرياء وهم لا يملكون التجربة الفعلية للوصول إلى هذه المرحلة.
نجد أيضًا أشخاصًا يعلمون القراءة السريعة والتصويرية وهم أنفسهم لا يجيدون القراءة بهذه الطرق، بل ربما لا يقرؤون عمومًا بشكل متكرر.
علاوة على ذلك، نجد بعض المشاهير الذين يعطون نصائح حول الحياة الزوجية وتربية الأسرة، ولكنهم يعيشون في أسوأ الأوضاع العائلية. إنها ظاهرة تشهد عليها بعض أوساط الدعوة إلى الدين أيضًا.
لكن الجانب الإيجابي في هذا هو أننا لا ننكر فائدة النصح والإرشاد للآخرين. بل إنه من المفترض أن يكون النصح جزءًا من سلوكنا الإنساني والاجتماعي. ومع ذلك، يجب أن يكون النصح مبنيًا على الصدق والتجربة الحقيقية. فالنصيحة الفعالة هي تلك التي تأتي من شخص يملك خبرة عملية ويطبق ما ينصح به.
لهذا، من المهم أن يحرص كل من يرغب في تغيير الآخرين على التأكد من أنه يطبق بنفسه ما ينصح به الآخرين. لا يكفي أن يكون مجرد ناقل للمعرفة والأفكار، بل يجب أن يكون قد اجتاز تلك التجارب العملية ليتمكن من تقديم نصائح ذات قيمة وفعالية.
في النهاية، العلم يمثل الطريق إلى الفهم والتطوير، ولكن القوة الحقيقية للعلم تكمن في تحويل هذا المعرفة إلى تطبيق عملي وتأثير إيجابي في الحياة. فعندما يتوافر العلم والتطبيق الصحيح، يمكننا بناء مجتمع أكثر تقدمًا وازدهارًا يُحقق التغيير الإيجابي الذي نطمح إليه.
