في عالمٍ يعتريه الكثير من التحيزات المعرفية، يجد الإنسان نفسه غارقًا في أخطاء تفكيره، قد تقوده إلى قرارات خاطئة تحت تأثير العواطف (التحيز العاطفي)، أو تعطله عن التغيير والتطور بسبب قناعاته المسبقة (التحيز التأكيدي)، وربما تدفعه أمنياته وآماله ليصدق الوهم ويلتقط الخداع (تحيز التمني).
إنها حقيقة متجذرة في طبيعة الإنسان، لا تمحى ولا تزول. لكن ماذا لو افترضنا أن بإمكاننا التخلص من تلك التحيزات المعرفية؟ ماذا لو وهبنا عقولًا بلا تحيزات وعواطف؟ في السردية الأولى، قد يظن البعض أن ذلك سيجعلنا كائناتٍ منطقية تمامًا، أكثر قوة وثباتًا.
لكن السؤال هنا: هل ستكون الحياة حقًا أفضل بلا تلك التحيزات؟ قد يتبادر إلى الذهن أن الإنسان بدون تحيزات سيكون أكثر نضوجًا وقوةً، لكن مع التفكير العميق والتأمل، ستتكشف لنا جوانب أخرى من الصورة.
دعونا نبدأ بالتحيز العاطفي، إذا تخلصنا منه فسنفقد البعد الإنساني في حياتنا. سنفقد القدرة على التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم، سنصبح كأجهزة برمجية بلا إحساس، وستختفي الرحمة والعطف من قلوبنا.
أما إذا تخلصنا من تحيز التمني فسيختفي الأمل والطموح من حياتنا. لن يكون لدينا هدف يدفعنا للتقدم والتطوير، سنعيش في عالم مظلم بلا أمل، وسنختفي كمشاعل منيرة في هذه الحياة.
في حقيقة الأمر، العقل المتوازن يحمل في طياته التوازن بين المنطق والإنسانية. إنه عقلٌ يدرك وجود التحيزات المعرفية والتحكم بها بحكمة، وفي الوقت نفسه يحترم الجانب الإنساني ويفهم قيمة المشاعر والأحلام التي تمنح حياتنا معنىً وجمالًا.
في سعينا نحو تطوير العلم والمعرفة، دعونا لا ننسَ أن الإنسانية هي ما يميزنا وتجعلنا إنسانًا حقيقيًا. لنتعلم الحكمة في التعامل مع تحيزاتنا ونتقبل بعضنا البعض بكل ما نحمله من عواطف وقيم. هذا هو السر الحقيقي للنضوج الروحي والتقدم الإنساني.