fbpx

خريطة النجاة في زمن الفوضى المعلوماتية

تخيّل أن تستيقظ في عالم ينهار فيه معنى الحقيقة!خبرٌ يقول شيئاً،والآخر يناقضه، مقالٌ طويلٌ منمّق ولكنه فارغ المعنى وفيديو ينتشر كالنار في الهشيم، ما يلبث أن يُكشف أنه مُفبرك.. 

 

فأين نقف في وسط هذا الطوفان؟! وأي بوصلةٍ ستوجهك نحو المسار الصحيح؟

 

في هذا العالم المربك، لا يملك الإنسان إلا أداةً واحدة تحميه من الغرق وهي: القراءة الواعية.

فالقراءة ليست تكديساً للكلمات ولا هوايةً عابرة بل هي تدريبٌ للعقل على أعمق مهارةٍ يحتاجها اليوم: التمييز. 

 

فحين نقرأ، نحن لا نبحث فقط عن المتعة أو المعرفة، بل نبني في داخلنا حاسّةً نقدية تشبه جهاز مناعة فكري. هذه المناعة هي وحدها ما يحول بيننا وبين الانجراف خلف أي فكرة برّاقة أو معلومةٍ مزيفة.

 

قد يظن البعض أن الذكاء الاصطناعي بما ينتجه من نصوص، يوفّر بديلاً عن القراءة! لكنّ الحقيقة أن الآلة تصنع كلاماً، بينما القراءة تصنع وعياً. فكلما ازدادت قدرة الخوارزميات على إنتاج نصوص مقنعة، ازدادت حاجتنا نحن إلى عقول مدرّبة تستطيع أن تكشف الغثّ من السمين..

 

فالإنسان القارئ لن يكون أبداً أسيراً للشكل، بل باحثاً عن الجوهر ..والآلة مهما أتقنت لن تمنح الإنسان القدرة على رؤية ما وراء السطور.

 

إن القراءة بهذا المعنى فعلُ تحرّر، لا مجرّد عادةٍ ثقافية. من يقرأ باستمرار لايمكن أن يصبح ضحيّةً لزحام السوشال ميديا، بل يمتلك عيناً داخلية تعيده إلى مركزه في كل مرة تحاول الفوضى أن تبتلعه، 

 

فالكتاب هنا ليس أوراقاً مطبوعة فحسب، بل خريطةُ نجاةٍ وسط صخب العالم، ودليلٌ على أن الوعي لا يُمنح، بل يُنتزع بالجهد والوقت والصبر.

 

ولعل العذر الأكثر شيوعاً هو: “لا وقت لدي للقراءة”.. لكن أيّ وقتٍ نضيّع فعلاً أكثر من ساعات نغرق فيها بين إشعارات لا تنتهي؟ الحقيقة أنّ غياب القراءة هو ما يسرق أعمارنا، بينما بضع دقائق يومياً قادرةٌ على أن تغيّر شكل وعينا.. ليست المسألة في عدد الصفحات، بل في أن نمنح عقولنا فرصةً للتنفس بعيداً عن فوضى الشاشات!

 

في النهاية، لا أحد يستطيع أن يضمن لنا أن العالم من حولنا سيصبح أوضح أو أصدق !

 

لكن ما يمكننا أن نضمنه هو أن نصنع في داخلنا عقلاً أقوى، أكثر يقظة وصلابة.. وهذا لا يحدث إلا عبر القراءة!

 

اقرأ لتنجو.. إنها ليست نصيحةً مثالية، بل وصفٌ للحقيقة كما هي:

ففي زمن الفوضى، القارئ حتماً  سيملك خريطة الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *